لعنة القناع الذهبي
المقدمة
عندما تتجول في شوارع البندقية اليوم، قد تجد بعض الحكايات المخيفة التي تتردد بين أهلها القدامى. حكاية عن قناع ذهبي مسحور، يُقال إنه يحمل لعنة مميتة لكل من يلمسه. إنها ليست مجرد قصة تُروى للأطفال في الليالي الباردة، بل واقعة سجلها بعض المؤرخين، وتركت أثرها في قلوب من سمعوها.
فصل 1: الولادة الغامضة للقناع الذهبي
في القرن السابع عشر، حين كانت البندقية مركزًا للفن والتجارة والمؤامرات السياسية، عاش رجل يُدعى أليساندرو دي كارلو. كان هذا النبيل الثري واحدًا من أكثر الشخصيات غموضًا، يُشاع عنه أنه لم يتقدم في العمر منذ أكثر من أربعين عامًا، وأنه يختفي عن الأنظار لفترات طويلة قبل أن يعود أكثر شبابًا من ذي قبل.
كان أليساندرو مهووسًا بفكرة الخلود. في بحثه عن سر الشباب الأبدي، لجأ إلى خيميائي شهير يُدعى لورينزو فيرميلي، رجل يُعتقد أنه استخدم السحر الأسود في تجاربه. بعد سنوات من البحث والتجارب، صنع لورينزو قناعًا ذهبيًا فريدًا، يقال إنه يحتوي على روح مسحورة قادرة على امتصاص طاقة الحياة من الآخرين، مما يجعل مرتديه شابًا إلى الأبد. لكن هذا القناع جاء بثمن باهظ: من يرتديه لا يمكنه خلعه، وإلا فستكون نهايته مرعبة.
فصل 2: البداية الدامية
في الليلة التي تسلم فيها أليساندرو القناع، كان المطر يهطل بغزارة على البندقية، كأنه نذير شؤم. وضع القناع على وجهه للمرة الأولى أمام مرآته المزخرفة، وشعر بطاقة غريبة تسري في عروقه. نظر إلى يديه المتجعدتين، ورأى التجاعيد تتلاشى ببطء، وعاد جلده مشدودًا كما كان في شبابه.
لكنه لم يكن يدرك أن القناع لا يمنحه الشباب فقط، بل يزرع فيه جوعًا لا يمكن إشباعه. في الأيام التالية، بدأ يشعر بإحساس غريب كلما اقترب من الناس، وكأن جسده يمتص طاقاتهم وحياتهم دون أن يدرك. لاحظ أصدقاؤه تغيرًا في سلوكه: أصبح أكثر انعزالًا، وأكثر قوة في الوقت نفسه.
مرت سنوات، واستمر أليساندرو في العيش كأن الزمن لا يمسه، بينما بدأ كل من اقترب منه في التلاشي تدريجيًا. بعضهم مرضوا فجأة، والبعض الآخر اختفوا ببساطة. بدأ الناس يتهامسون: “إنه ليس بشريًا، إنه شيطان في هيئة رجل!”
فصل 3: الكارنفال الأخير
في عام 1652، خلال مهرجان الكارنفال السنوي في البندقية، قرر أليساندرو حضور الاحتفال الكبير، مرتديًا قناعه الذهبي. كان المهرجان فرصة ممتازة له ليغرق وسط الحشود، دون أن يلاحظ أحد غرابته.
في تلك الليلة، لفت انتباهه إيزابيلا بورتيني، فتاة في العشرين من عمرها، ابنة أحد التجار الأثرياء. كانت شابة ذكية وفضولية، سحرتها هيبة الرجل الغامض الذي لا يخلع قناعه أبدًا. حاولت الاقتراب منه، وأخذت ترقص معه بجرأة نادرة.
مع الوقت، بدأت تلاحظ أمرًا مقلقًا: كلما اقترب منها، شعرت ببرودة غريبة وكأن روحها تُسحب منها ببطء. ازدادت شكوكها عندما اختفى شاب كان يرقص بجانبها منذ لحظات، ولم يره أحد بعد ذلك.
قررت أن تكشف سر هذا الرجل بنفسها. وبينما كان الحفل في ذروته، استدرجته إلى أحد الأزقة الجانبية بحيلة ذكية. هناك، استجمعت شجاعتها ومدّت يديها بسرعة ونزعت القناع عن وجهه.
فصل 4: الوجه الملعون
ما رأته كان كابوسًا حيًا.
كان وجه أليساندرو متحللًا تمامًا، كأن جلده لم ير النور منذ مئات السنين. عيناه كانتا مجرد حفرتين مظلمتين، وانبعثت منهما رائحة العفن والموت.
صرخ صرخة مريعة اهتزت لها الأزقة الحجرية، وتدفق الدم من مسام جلده المتآكل. بدأ جسده في الانهيار، وتحول ببطء إلى غبار ذهبي متطاير في الهواء، واختفى دون أن يترك أثرًا سوى القناع الذي وقع على الأرض.
إيزابيلا، التي كانت تقف هناك مذهولة، شعرت فجأة بتيار بارد يسري في عروقها. عندما نظرت إلى يديها، رأت أن جلدها بدأ يذبل ببطء. صرخت محاولة الهرب، لكن القناع الذي سقط على الأرض كان قد بدأ في تغيير مصيره بالفعل.
فصل 5: القناع لا يموت
بعد أيام، عُثر على جسد إيزابيلا ميتة في غرفتها، وجهها كان مجعدًا كأنها عجوز تجاوزت المئة عام، وعيناها مفتوحتان على اتساعهما في رعب أبدي.
أما القناع، فقد اختفى من مكانه… ولم يُعرف أين ذهب.
فصل 6: عودة اللعنة
مع مرور السنوات، بدأت القصة تُنسى، لكن القناع لم يختفِ حقًا. في كل مرة يظهر فيها في مكان جديد، تحدث وفيات غامضة أو حالات اختفاء غير مبررة.
في عام 1882، ظهر القناع في مجموعة تحف يملكها دوق إيطالي، لكنه مات بشكل غامض بعد أسابيع من اقتنائه له. في عام 1921، ظهر القناع مرة أخرى في متحف بمدينة فلورنسا، ولكن بعد شهر واحد فقط، اشتعلت النيران في المتحف بالكامل ودُمر تمامًا.
في عام 1995، ظهر القناع في أحد المزادات في لندن، لكن الشخص الذي اشتراه اختفى في ظروف غامضة، ولم يُعثر عليه حتى يومنا هذا.
القناع لا يزال هناك، يتربص بضحاياه، منتظرًا من سيجربه مرة أخرى… فهل ستكون الضحية التالية؟ 😨