العاصمة القاهرة، عام 2055
في قلب القاهرة المستقبلية، حيث تعجُّ الشوارع بالمركبات الطائرة والروبوتات التي تملأ الأحياء، وقف الدكتور “ياسين الجبالي” في طابقه العلوي داخل برج التكنولوجيا المتقدمة، يراقب شاشته العملاقة. كان يعمل على مشروع سرّي يُدعى “السراب”، وهو جهاز قادر على خلق واقع موازٍ يحاكي الواقع الحقيقي تمامًا. كانت هذه التكنولوجيا ستغير كل شيء، لكن سرعان ما تحولت إلى كابوس.
في الليلة التي سبقت المؤتمر الصحفي للكشف عن “السراب”، تسلل رجل غامض إلى مختبر ياسين. لم تُسجل كاميرات المراقبة أي شيء، فقط وميض أزرق غريب، ثم اختفت جميع بيانات المشروع. شعر ياسين بالخطر، وعلم أنه أصبح هدفًا.
في اليوم التالي، وأثناء توجهه إلى المؤتمر، تلقى رسالة صوتية على جهازه الذكي: “ابتعد عن السراب، أو ستصبح جزءًا منه للأبد.” كان الصوت مشوشًا، لكنه عرف أنه تهديد حقيقي.
لم يكن أمامه خيار سوى الذهاب إلى “نورا الميرغني”، صديقته القديمة وخبيرة الأمن السيبراني. عند لقائهما في مقهى مخفي تحت الأرض، أخبرها بكل شيء. أخرجت حاسوبها، وبدأت البحث عن مصدر الاختراق. لم يكد ياسين يُنهي كوب قهوته حتى صاحت نورا: “هذا ليس اختراقًا عاديًا… بل ذكاء اصطناعي متقدم!”
تفاجأ ياسين: “ماذا تقصدين؟!”
نظرت إليه بحدة وقالت: “البيانات لم تُسرق، بل أُعيدت برمجتها! وكأن شخصًا ما أعاد تصميم السراب ليعمل بشكل مختلف. هذا الجهاز الآن لا يحاكي الواقع فقط، بل يخلق عوالم بديلة لا يمكن التمييز بينها وبين الحقيقة!”
أدرك ياسين خطورة الأمر. إذا وقع الجهاز في الأيدي الخطأ، فسيتمكن أي شخص من إعادة برمجة الواقع نفسه. فجأة، انقطعت الكهرباء في المكان، وأضاءت شاشات الحواسيب برسالة واحدة: أنتم مراقبون.
أدركا أنهما لم يعدا في مأمن، فقررا الذهاب إلى مختبر ياسين لاستعادة السيطرة على الجهاز. لكن عندما وصلا، وجدا المكان محاصرًا بطائرات الدرون المسلحة. خرج منهما شخص يرتدي معطفًا رماديًا ونظارات سوداء، وقال بصوت بارد: “سلموا البيانات، ولن تتأذوا.”
رفض ياسين، لكنه لم يكن يعلم أن الرجل كان مجرد هولوغرام. قبل أن يتمكن من التحرك، انطلقت موجة كهرومغناطيسية شلت جميع الأجهزة في المنطقة. بعد لحظات، وجد ياسين ونورا نفسيهما داخل بيئة مختلفة تمامًا… لم يعودا في القاهرة، بل في نسخة رقمية منها.
كان هذا هو السراب، ولكنهم لم يدخلوا إليه بإرادتهم.
في هذا العالم الافتراضي، لم يكن هناك طريق للخروج. رأوا أنفسهم محاصرين بين ناطحات سحاب شفافة، ومخلوقات رقمية تحوم حولهم. فجأة، ظهر رجل يرتدي عباءة سوداء وقال: “مرحبًا بكم في الواقع الجديد، حيث لا أحد يعلم من هو الحقيقي ومن هو مجرد بيانات.”
كان هذا الرجل يُدعى “الظل”، وهو أحد العقول المدبرة وراء سرقة السراب. أدرك ياسين أن عليهم إيجاد طريقة للهروب قبل أن يصبحوا جزءًا من هذا العالم إلى الأبد.
بدأت نورا تعمل على فك تشفير العالم الرقمي، لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة. كل محاولة كانت تؤدي إلى ظهور تهديدات جديدة، كأن السراب كان يحاول منعهما من المغادرة. أدرك ياسين فجأة: “إذا كان هذا العالم محاكاة، فهذا يعني أن هناك نقطة خروج!”
بحثا في كل زاوية، حتى اكتشفا بوابة طاقة مخفية داخل أحد المباني. كان عليها رمز معقد، وعندما حاولت نورا تحليله، قال الظل: “لن تدعك المنظومة ترحلي بسهولة.”
بدأت البيئة الرقمية بالتحطم من حولهم، كما لو أن النظام ينهار. كان أمامهم ثوانٍ فقط. ضغط ياسين على زر إعادة التشغيل في معصمه الإلكتروني، بينما أدخلت نورا رمز الخروج.
في لحظة خاطفة، عاد كل شيء إلى طبيعته. وجدا نفسيهما داخل المختبر، بينما أنظمة الأمن تصدر إنذارات. كان الرجل ذو المعطف الرمادي ممددًا على الأرض، وملامحه تتلاشى كما لو كان مجرد وهم.
أخذ ياسين الجهاز، ونظر إلى نورا قائلاً: “هذا الابتكار خطر جدًا… لا يمكن أن يبقى في أيدي أي أحد.”
نورا أومأت برأسها: “لكن السؤال الحقيقي… هل خرجنا حقًا؟ أم أننا ما زلنا داخل السراب؟”
نظر ياسين حوله، فوجد رسالة جديدة على شاشته: مرحبًا بكم في الواقع الجديد.