في ليلة مظلمة، جلس “آدم” في مختبره المليء بالمعادلات الغامضة وأجهزة لم تكن لتبدو مألوفة لأي شخص عادي. كان عالم فيزياء نظرية، يقضي حياته باحثًا عن الحقيقة المخفية خلف ستار الواقع. منذ سنوات وهو مهووس بفكرة العوالم الموازية، حتى كاد أن يفقد عقله بسببها.
ولكن تلك الليلة كانت مختلفة…
كان يعمل على تجربة خطيرة باستخدام مسرّع جزيئات صغير قام بتطويره بنفسه. نظريته كانت بسيطة ولكن جريئة: “إذا استطعنا خلق تذبذب طاقي معين، فقد نتمكن من فتح بوابة إلى بُعد آخر.” لم يكن هناك دليل علمي قاطع على ذلك، ولكن حدسه كان يخبره بأنه أقرب إلى الحقيقة مما يتصور.
ضغط على الزر، وبدأت الآلات بالاهتزاز، الأضواء تنبض بسرعة، وأزيز الطاقة يملأ المكان. فجأة، وسط الضباب الكهربائي، ظهرت بوابة مشعة، تدور في الفراغ كدوامة زرقاء متموجة.
اقترب آدم بحذر، ثم مد يده ببطء… وقبل أن يتمكن من التراجع، انجذب إلى الداخل بقوة خارقة، كأن هناك يداً خفية سحبته إلى المجهول.
عالم آخر
استيقظ على أرض صلبة، باردة. رفع رأسه ونظر حوله، فوجد نفسه في مدينة شبيهة بمدينته، لكنها مختلفة بطريقة غريبة. المباني أطول، السماء بلون بنفسجي باهت، والسيارات تطير فوق الأرض بدون عجلات.
لم يكن هذا مجرد زمن مستقبلي، بل كان عالمًا مختلفًا تمامًا.
حاول التحدث مع أحد المارة، لكنه لم يفهم لغتهم. كانت كلماتهم مألوفة لكنها مشوهة، كأنها نسخة مقلوبة من لغته. أدرك بسرعة أنه لم يسافر عبر الزمن، بل إلى واقع آخر موازٍ.
سار في الشوارع محاولًا استيعاب ما يحدث. وفجأة، رأى انعكاسًا لنفسه في نافذة أحد المتاجر، لكنه لم يكن هو… بل شخص يشبهه تمامًا، لكن بملابس مختلفة ونظرة صارمة.
“أنت لست من هنا، أليس كذلك؟”
التفت بسرعة ليرى رجلاً يرتدي معطفًا طويلًا ونظارات عاكسة، يقف خلفه مباشرة.
- “من أنت؟ وكيف عرفت؟”
- “أنا د. كايل، وأنت وقعت في الفخ الذي وقع فيه الكثيرون قبلك. لقد انتقلت إلى العالم الموازي، وهو ليس كما تظن…” قالها بنبرة حادة.
آدم كان مذهولًا، لكنه لم يكن خائفًا. بل شعر بحماسة لم يشعر بها من قبل.
حقيقة العوالم المتعددة
شرح له د. كايل أن العوالم الموازية ليست مجرد نظريات، بل حقيقة خفية منذ الأزل. هناك مئات، بل آلاف العوالم، وكل عالم يحمل نسخة مختلفة من الأشخاص، ولكن ليس كلهم طيبون. بعض العوالم مليئة بالفوضى، وبعضها متقدم تقنيًا لدرجة أنهم اكتشفوا كيفية السفر بينها.
- “ولكن هناك خطر…” قال كايل بنبرة تحذيرية. “ليس كل العوالم ترحب بالزوار، وبعضها يعتبر البشر الغرباء تهديدًا.”
آدم ابتلع ريقه بصعوبة، ثم سأل: “كيف يمكنني العودة إلى عالمي؟”
- “هناك جهاز يُسمى “المفتاح الكوني”، لكنه بحوزة حكومة الظل في هذا العالم. إنهم يعرفون بوجود العوالم الموازية ويمنعون أي شخص من المغادرة. إذا كنت تريد العودة، فعلينا سرقته.”
آدم لم يكن يتوقع أن يتحول من عالم إلى لص، لكنه لم يكن يملك خيارًا آخر.
المطاردة عبر العوالم
بدأت رحلة آدم وكايل إلى مركز الأبحاث حيث يُحتفظ بالمفتاح الكوني. كان المكان محصنًا، مليئًا بالحراس، وكاميرات المراقبة، لكن كايل كان لديه خطة محكمة.
- “سنتسلل عبر أنفاق الصيانة، ومن هناك إلى غرفة التحكم، سأوقف الأنظمة الأمنية، وأنت عليك أن تجد المفتاح.”
التسلل لم يكن سهلاً، ولكنهم نجحوا حتى وصلوا إلى القاعة الرئيسية. هناك، على منصة زجاجية، رأى آدم الجهاز. كان يبدو كقرص صغير ينبض بالطاقة.
لكن قبل أن يتمكن من لمسه، انطلقت صفارات الإنذار.
“لقد اكتشفونا!” صرخ كايل.
اندفعت قوات الأمن، وانطلقت المطاردة في أرجاء المركز. قفز آدم من فوق الحواجز، وانطلق عبر ممرات ضيقة، وأخيرًا وصل إلى غرفة الطاقة، حيث كان يوجد جهاز بوابة شبيه بالجهاز الذي صنعه.
“يجب أن تضبط التردد على عالمك!” صرخ كايل وهو يقاتل الحراس.
بأصابع مرتعشة، أدخل آدم القيم التي يتذكرها من معادلاته، ثم ألقى نظرة أخيرة على كايل.
“هل ستأتي معي؟”
كايل ابتسم وقال: “لا، دوري هنا لم ينته بعد. لكن تذكر… هذه ليست النهاية.”
ضغط آدم على الزر، وامتصه الضوء الأزرق مرة أخرى…
العودة إلى البداية
فتح عينيه ليجد نفسه على أرضية مختبره، كل شيء كما كان، لا صفارات إنذار، لا حراس، فقط صوت أجهزته الخافت.
“هل كان حلمًا؟” تساءل.
لكن عندما فتح يده، وجد فيها القرص الصغير ينبض بالطاقة…
لقد عاد، لكنه لم يعد كما كان من قبل. الآن، كان يعرف الحقيقة.
وما زالت البوابة أمامه، تنتظر من يعبر مرة أخرى…