كوزممكول ” إعادة ضبط الأرض ” : جاري حذف الكوكب بسبب سوء الاستخدام

"كوزموكول: عندما قررت حضارة فضائية حذف كوكب الأرض بسبب سوء الاستخدام"

في صباح يوم رمادي من عام 2147، وسط ضوضاء الطائرات ذاتية القيادة فوق الدائري الفضائي للقاهرة الجديدة، استيقظ سكان الأرض على رسالة هزّت أركان المجرة. رسالة لم تأتِ من دولة عظمى، ولا من منظمة سرية، بل من جهة لم يسمع بها أحد من قبل: “كوزموكول”. لم تكن الرسالة تهديدًا نوويًا، ولا إعلانًا عن غزو فضائي، بل كانت… استبيان تقييم خدمة.

“مرحبًا، عميلنا العزيز. لقد انتهت الفترة التجريبية المجانية لكوكب الأرض ضمن مشروعنا لتطوير الكواكب البدائية. نرجو منك تقييم تجربتك، واختيار أحد الخيارات التالية: 1) الترقية إلى الخطة المدفوعة، 2) إعادة ضبط الكوكب.”

بدا الأمر كأنه مزحة، أو محاولة نصب بين-كوكبية. لكن بعد دقائق، بدأ الجميع يلاحظ تغيرات غريبة: الأجهزة الذكية صارت تُحدث نفسها من تلقاء ذاتها، الأقمار الصناعية أرسلت إشارات غير مفهومة، وحتى أغنية فيروز الصباحية في إذاعة الشرق الكوني توقفت فجأة لتُستبدل بصوت ميكانيكي يقول: “يرجى تعبئة الاستبيان خلال 72 ساعة وإلا سيتم حذف الكوكب نهائيًا.”

في القاهرة، تحديدًا في الطابق الأخير من مبنى متهالك، كان شوقي عبد الستار، موظف خدمة عملاء في شركة تُدعى “سمارت بلانيت تيك”، يحاول إصلاح ماكينة قهوة قديمة بينما يلعن زميله الذي سرق كيس البن.

ظهر إشعار مفاجئ على شاشة مكتبه: “تم اختيارك كممثل رسمي لكوكب الأرض للتواصل مع كوزموكول. سبب الاختيار: لديك أكبر عدد من الشكاوى المعالجة بنجاح خلال 5 سنوات، وتتحلى بسعة صدر غير طبيعية مع العملاء المتوترين.”

شوقي لم يُفاجأ. في الحقيقة، استقبل الخبر كما يستقبل رسالة بريدية من البنك. جلس على الكرسي، ارتشف من كوب فارغ، وتنهد: “يا دوب كنت هاطلب أجازة… طيب، نِكمل.”


بدأت جلسة الدعم الفني مع كوزموكول. لم تكن هناك كاميرات، فقط شاشة تظهر فيها محادثة نصية.

الدعم: مرحبًا، نحن هنا لخدمتك، عميلنا العزيز. شوقي: هو أنا مش المفروض أسأل الأول أنتوا مين؟ الدعم: نحن كوزموكول. وفرنا لكوكبكم تقنيات البث، التطور الصناعي، الحروب الافتراضية، والتسويق الرقمي. كل ذلك ضمن خطة مجانية. الآن حان وقت القرار. شوقي: طيب يعني إيه الترقية؟ هتدونا إيه يعني؟ الدعم: ترقية إلى باقة “التوازن الأخلاقي والسلام الشامل”. تشمل إزالة النزاعات، ضبط السلوك البشري، إنهاء الحروب، منع انتهاكات الخصوصية، وتحقيق تعاون عالمي مستدام. شوقي: يعني زي فلاتر أخلاقية للكوكب؟ الدعم: بالضبط. مع تحديث تلقائي للعقول للامتناع عن السلوكيات السامة مثل الكذب، النفاق، والتلاعب بالمشاعر. شوقي: طب ودي هتكلفنا قد إيه؟ الدعم: المطلوب هو التزام جماعي من سكان الكوكب باتفاق “التحول الأخلاقي”. أو، بدلاً من ذلك، يمكن دفع الثمن عبر أرواح بشرية أو معادن نادرة. شوقي: أرواح تاني؟ هو في عرض 1+1 على الأرواح ولا إيه!

في خلفية الحوار، بدأت الكواكب الأخرى ترسل رسائل ساخرة. كوكب “بلوطان-9” أرسل تغريدة: “كوكب الأرض خلاص، على وشك الفورمات. نشتريه بسعر الجملة؟ #كود_خصم_القيامة”

ظهر على الشاشة مستخدم جديد: إكسل-17. روبوت بيروقراطي مصمم لحذف الكواكب التالفة.

إكسل-17: تحليل النظام يُظهر أن الأرض ملف تالف. يوجد تعارض بين الموارد والسلوكيات. نوصي بإعادة ضبط فوري. شوقي: تعالى بقى انت، يا إكسل، مين قالك تحكم علينا؟ ده احنا لسه عندنا كنافة ومهرجان شعبي!

شوقي بدأ في تقديم طلبات تأجيل، رسائل طعن، وحتى شهادة من دار الإفتاء بأن البشرية لا تزال قابلة للإصلاح.

بدأ بعرض خطة إصلاح تطوعية تشمل بث برامج تعليمية عن القيم، تفعيل قانون عالمي للسلام الرقمي، وتوزيع اشتراكات مجانية في تطبيق التأمل العقلي.

أرسل شوقي مذكرة طريفة: “نرجو من حضراتكم اعتبار الأرض في فترة صيانة. جاري تركيب تحديثات للسلوك البشري. برجاء إعادة المحاولة لاحقًا.”

الدعم: نحن نحترم الفكاهة البشرية. سنمنحك مهلة مؤقتة.

وفي اللحظة الحاسمة، قرر شوقي أن يستخدم سلاحه الأخير: كود خصم مزيف. أرسل للكوزموكول كودًا اسمه: EARTH4LIFE الدعم: تم تفعيل الكود. مدة الاشتراك: 100 سنة أخرى.

إكسل-17: هذا غير قانوني. الكود غير معتمد. الدعم: نحن نحب المفاجآت. سنسمح بتجربة إضافية.

أُعلنت النتيجة على الهواء مباشرة. “تم تجديد اشتراك كوكب الأرض تلقائيًا بفضل جهود ممثل خدمة العملاء: شوقي عبد الستار.”

عاد شوقي إلى مكتبه وسط تصفيق زملائه… الذين لم يفهموا شيئًا لكنه بدا وكأنه أنقذ العالم، فصفقوا احترامًا للمجهول.

وصلته رسالة من كوزموكول تقول: “عميلنا العزيز، تقييم الأداء: ممتاز. جاري ترشيحك لجائزة أفضل ممثل كوكبي في المجرة.”

ورد شوقي على الرسالة: “لو فيها شيك وجهاز قهوة جديد، أنا موافق. بس بلاش ميداليات… بتخرب القمصان.”

وبينما كان يتناول كشريًا من علبة بلاستيكية، جاءه إشعار جديد: “هل ترغب في الاشتراك بخدمة التحديث التلقائي للعقل البشري؟”

نظر شوقي إلى الشاشة، ثم إلى علبة الكشري، ثم تمتم: “طالما مش هيأثر على طعم العتس، موافق.”

انطفأت الشاشة.

وعلى بُعد ملايين السنين الضوئية، في مركز عمليات كوزموكول، قال أحد الفنيين: “ده الكوكب الوحيد اللي عدى الاستبيان بالضحك.”

انتهت… أو يمكن نقول: إلى اللقاء في التحديث القادم!

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

نعتذر ممنوع نسخ محتوى أطياف