لو لم تقرأ القصة من البداية سيفوتك كثيرا …
اقرأ الفصل الأول من أركاديا
ثم تابع الفصل الثاني من لعبة الخلاص في اركاديا
المشهد الأول: نداء من الظلام
داخل نفق ضيّق يغمره العفن والرطوبة، تنبعث رائحة الحديد والزيت في كل مكان. الهواء ثقيل، متشابك مع أنين الأنبوب المعدني الذي يمر على الجدران المتسخة. أسطحه مغطاة طبقات من الماء الراكدة، ما يجعل الأرض زلقة بشكل مزعج. كانت ضوء المصابيح القديمة يتمايل بشكل غير منتظم، فتبدو وكأنها تقاوم الظلام الذي يحيط بها.
نورا، التي كانت تتنفس بصعوبة، تبذل جهدًا مضاعفًا لكي تسند آدم الذي كان يبدو منهكًا جدًا. دماؤه تسيل من جرح قديم في ذراعه، وملابسه مليئة بالتراب. نظرًا لأن الحركة في هذا المكان كانت صعبة بسبب انحدار الأرض والزحام بين الأنابيب، كانت تتكئ عليه، لكن رغم ألمها، حاولت ألا تبين ضعفها أمامه. كانت عيناها تتنقلان بقلق بين الظلام المحيط بهما وبين خطواتهما المتثاقلة في هذا النفق اللانهائي.
في لحظة مفاجئة، سمع صوتًا خافتًا. كان همسًا، صوتًا غريبًا يبدو وكأنه آتٍ من بعيد، يتردد في جدران النفق، كما لو أنه هو الآخر يحاول الهروب من هذا المكان.
الصوت: (همس ضعيف) “نورا… نورا…”
توقفت نورا، وجسمها كله ينتفض من الارتباك. سرت قشعريرة باردة عبر عمودها الفقري، وزاغت عيناها في الاتجاه الذي جاء منه الصوت، محاولةً تحديد مصدره في هذا الفراغ المظلم.
آدم (بصوت متقطع، وكأنه يحاول التنفس) : “هل… سمعتيه؟”
نظرت إليه نورا بتوتر، ثم بصوت منخفض للغاية:
نورا: “سمعته… لكنه مستحيل. الصوت… كان يشبه… أخي.”
لحظة صمت قصيرة، لكن قلب نورا كان ينبض بسرعة غير طبيعية. كان هذا الصوت محاطًا بأصداء كأنما من عالم آخر. ثم، في لحظة غريبة، بدأ النفق يرتجف، وكأن الجدران نفسها كانت تستجيب لوجودهما. خطوط فسفورية باهتة بدأت تظهر على الجدران، تتمدد وتضيء قليلاً في الظلام، تلتوي بشكل عصبي كما لو أن هناك اتصالًا من نوع آخر يحدث في هذا المكان الحي.
نورا (همس بصدمة): “هذه تكنولوجيا حيوية… تُفاعل الإدراك؟!”
آدم (ينظر حوله بعينيه المرتبكتين): “المكان حي… آركاديا لم تكن مجرد مشروع بيئي… بل كائن حيّ.”
كان جرح آدم يزيد سوءًا، وكان يبدو عليه التعب والإرهاق الشديد. رغم ذلك، حاول أن يسند نفسه أكثر، ثم انتبه بشكل مفاجئ إلى مكان آخر في النفق حيث كانت هناك شبكة من الأسلاك التي تضيء برموز متشابكة، تحركت بشكل منظم.
كانت عينا نورا تتابعان السطور الغريبة التي ظهرت على الجدران، محاولة استيعاب ما يحدث. ولكن تلك الهمسات العميقة من الظلام، والتي كان الصوت يتردد بها، جعلت عقلها في حالة من التشتت.
آدم (بصوت منخفض): “نورا… هل تعتقدين أنهم من آركاديا؟”
نورا (بتنهد): “أعتقد أننا لا نعرف بعد من يقف خلف كل هذا. ولكننا نكتشف شيئًا أكبر من مجرد خريطة أو أرقام… هذا المكان يحاول أن يقول لنا شيئًا.”
ثم اختفت الفسفورية فجأة، وجاءت همسات جديدة، تتوالى على شكل إشارات إلكترو مغناطيسية، تزداد تردداتها بشكل متسارع.
الصوت (بصوت أعلى): “نورا… آدم… أنتما جزء من الشيء الذي تسعون للهروب منه.”
كانت الكلمات تترنح في أذني نورا، وكأنها قطع متفرقة تبحث عن جوابها في عقلها.
آدم الذي كان يكتشف شيئًا غريبًا في الكوابيس الخاصة به، همس: “هل هذا هو الخيار؟”
نورا لم ترد، كانت تعي تمامًا أن هذه اللحظة هي نقطة انقسام. خياراتها بدأت تتسارع نحو مصير مجهول…
المشهد الثاني: الخارطة الميتة
بعد لحظات من الصمت المشبع بالتوتر، دفع آدم نفسه إلى الأمام، محاولًا إكمال المسير رغم الألم الذي يعصر جسده. تراجع صوت الهمسات خلفهما شيئًا فشيئًا، لكن الضغط النفسي بدا وكأنه يزداد. الكوابيس التي بدأت تطارده أخذت تتشابك مع الواقع، بينما كانت نورا تقود الطريق بعزم أكبر، رغم قلقها الداخلي.
توقفا أمام غرفة جانبية في قلب النفق. كانت الغرفة مظلمة، مظلمة لدرجة أن الضوء الذي كان يأتي من مصابيح النفق البعيدة لم يستطع اختراق هذا الظلام الكثيف. لكن في الزاوية البعيدة من الغرفة، كان هناك شيء يلمع ببطء، نوع من الزجاج الداكن، يغطى نصفه بصدأ قديم. تقدما نحو هذا الكائن، وعينيهما تراقبان كل حركة في هذا الفراغ المعتم.
داخل الغرفة، كانت توجد خريطة ضخمة، مشوهة ومرتبكة، على سطح معدني عتيق. لم تكن خريطة عادية، بل كانت خريطة ثلاثية الأبعاد لما يبدو وكأنه شبكة معقدة من الأنفاق أو من أحد أجزائها الخفية.
نورا (تحدق في الخريطة): “هذه خريطة الشبكة الأرضية… لكن لماذا خطوط الطاقة ميتة؟”
آدم (يقترب ويمرر يده على سطح الخريطة): “هذه ليست مجرد خريطة عادية… هناك شيء غريب هنا.”
نورا لم تستطع إخفاء قلقها، فالعالم من حولها كان يبدو كخزينة مليئة بالأسرار المظلمة التي لا يعرف أحد ما هو موجود داخلها. بينما كان آدم يركز على الخريطة، بدأ يشير إلى مسار معين في الزمان والمكان، مسار كان يبدو وكأنه قد تم تحويله. لعل ذلك كان هو ما جعل الخريطة تبدو مشوهة.
نورا: “أين نتجه إذاً؟ هذا المكان لا يشير إلى شيء… خطوط الطاقة هذه تشير إلى شيء مفقود.”
آدم: “خطوط الطاقة تم تحويلها… كما لو أن المركز الرئيسي… يُعاد بناؤه في مكان آخر. ربما كل شيء هنا يعتمد على موقع مختلف.”
لم تستطع نورا فهم ما يحدث تمامًا، ولكن شيء ما في الخريطة، في طريقة تحرك تلك الخطوط، كان يحمل رسالة. فقد تلمست نورا بقعة محددة على الخريطة، وبمجرد أن تلامس أصابعها سطح الخريطة، بدأت تتوهج فجأة، ثم تغيرت الصورة في لحظة خاطفة.
الضوء الصادر من الخريطة بدأ يتسارع، بينما آدم بقي صامتًا في مكانه، تراقب عيناه الدوائر المتشابكة التي بدأت تظهر أمامه، أشكال غريبة، رسومات غير مفهومة… وكأن الخريطة لم تكن مجرد توجيه، بل كانت ذاكرة حية.
نورا: “هذه ليست مجرد خريطة… إنها ذاكرة. محفوظة داخل جدار حي.”
آدم (يمسح جبينه، مندهشًا): “ماذا تعنين؟”
وما إن أكملت حديثها حتى بدأت الرؤى تخرج من الخريطة، تتخذ أشكالًا ضبابية متموجة. أمامهما بدأت تتضح محطات معالجة ضخمة، تجارب بيئية هائلة تجري على البشر. كانت هناك مجسات تُزرع في أجسام أطفال، توقيعات عصبية تُستخرج، وأشخاص يُستخدمون في تجارب غير إنسانية، كأنهم مجرد مواد خام لا قيمة لها.
نورا (مذهولة وتهز رأسها): “هذه ليست بيئة مستدامة… هذه مزرعة وعي.”
آدم (ينظر إلى الخريطة بحيرة): “هذا مكان لا ينتمي إلى هذا العالم. إنه أكبر بكثير مما كنا نعتقد.”
بينما كان الصوت المنبعث من الخريطة يزداد وضوحًا، بدأت أجزاء أخرى من الصورة تتسارع. مشاهد لآلاف الأشخاص، أجسادهم عالقة في حالة شبه ميتة، أدمغتهم متصلة بشبكة لا تنتهي من المعلومات… كانت آركاديا قد نجحت في اختراق حدود الإنسانية، فحولت البشر إلى مجرد أدوات وأجهزة إدراكية يتم التحكم فيها.
في تلك اللحظة، فهمت نورا أخيرًا الحقيقة البشعة.
نورا: “هم يتحكمون فينا… ليس فقط من خلال التكنولوجيا… بل من خلال وعينا.”
تراجعت نورا خطوة إلى الوراء، فكأنها تحاول الهروب من تلك الرؤى التي لا يمكن تصورها. لكن آدم، الذي بدأ يبدو عليه بعض الاستسلام للواقع الذي يواجهانه، تحدث بصوت منخفض، كما لو أنه يوجه كلامه لنفسه أكثر مما يوجهه إليها:
آدم: “إذاً… نحن ليسنا الوحيدين هنا… آركاديا ليست مجرد مشروع بيئي، بل هي كائن حي… وأنت وأنا جزء منه.”
على الرغم من أنها لم تجب على كلماته، إلا أن نورا كانت تشعر بالهلع. كانت الحقيقة أكثر من أن تُستوعب في عقلها. كان آدم يمر بلحظة قاسية من الوضوح، حيث كان يدرك حجم المأساة التي وقعوا فيها.
قبل أن تتمكن من الرد، سُمع صوت يشبه الأنين يأتي من أعماق النفق، صدى يشبه همسات، وكأن الصوت نفسه قد بدأ يلتوي مع الزمن.
الصوت: “أنتما لم تستوعبا بعد… أنتم لستم أحرارًا هنا.”
فجأة، عادت الأنوار في المكان للتبدد، وكأن الخريطة نفسها تحاول إخفاء كل شيء.
كان آدم يتنفس بصعوبة، بينما نورا وقفت مشدوهة في مكانها، عينيها لا تفارقان ذلك الضوء المتوهج.
المشهد الثالث: المدينة السفلى
بدأ الضوء الذي يخرج من الخريطة يتلاشى تدريجيًا، لتعود الغرفة إلى ظلامها الكثيف. نظر آدم إلى نورا، وكانت عيناه مليئة بالحيرة، لكنه لم يستطع إخراج الكلمات من فمه. كان الوقت ضاغطًا، والشعور بالخوف يزداد. كان عليهما أن يتحركا سريعًا، وإلا سيغرقان في المجهول الذي يحيط بهما.
نورا (بصوت ضعيف): “نحتاج إلى المغادرة. الوقت ليس في صالحنا.”
ركضا عبر النفق المظلم، تتسارع خطواتهما بين أصداء المياه الجارية، وعينيهما تترقبان كل زاوية في طريقهما. كان الصوت البعيد الذي سمعاه في البداية قد اختفى، لكن شعورًا غريبًا كان يتسلل إلى جسديهما، وكأن شيئًا ما يراقبهما.
بينما كانا يتقدمان أكثر في الممرات الضيقة، لم يشعر أي منهما بالراحة. كان الجدار المحيط بهما يبدو وكأنه يضغط عليهما، وكأن هناك عينًا غير مرئية تراقب حركاتهما.
بعد فترة طويلة من الترحال بين الممرات المنحنية، وصلا إلى نقطة تفصل بين الظلام والضوء. هناك، أمامهم، انفتح المنظر فجأة إلى مدينة مهجورة، أو بالأحرى، مدينة تحت الأرض، ضمت طوابق وأبنية عضوية، مصنوعة من مادة تنبض كالأوعية الحية. كانت الجدران تتنفس، وكل خطوة كان صوتها يتردد في المكان.
آدم (ينظر حوله بذهول): “هل نحن داخل جسد؟!”
نورا (بصوت هامس): “آركاديا أنشأت حضارة كاملة تحت الأرض… مدينة حيّة… تَنبض، تتنفس، وتفكر.”
كانت المدينة أمامهم مظلمة بشكل غريب، ولكن الأضواء كانت تنبعث بشكل متقطع من الأنابيب العضوية المدمجة في الجدران، بينما كانت تُرسل إشارات لا يفهمها العقل البشري. كان هناك شعور غريب أن كل شيء حيّ، كل شيء يراقب، يتفاعل، ويستجيب.
بينما كانا يمشيان، اقترب منهما فتاة صغيرة، كانت عيونها سوداء بالكامل، بلا بؤبؤ أو قزحية، مجرد عيون من الظلام الدامس.
الفتاة (بصوت هادئ، لكنها مليئة بالوجع): “أنتم متأخران… الجميع في الانتظار.”
توقفت الفتاة أمامهم، عيونها المظلمة تتأملهم، وكأنها تفحص كل جزء من كينونتهما.
نورا (بتردد، غير قادرة على فهم الموقف): “من أنتم؟ ماذا يحدث هنا؟”
الفتاة (تهز رأسها، كما لو أنها تضحك في نفسها): “نحن ما تبقى من الوعي البشري قبل أن يُستهلك… نحن آخر الأصداء. نحن الذين بقينا في هذا المكان لنجسد الذكريات التي لم يُسمح لها أن تموت.”
كانت كلماتها تحمل عمقًا مظلمًا ومرعبًا، كما لو أن هذا المكان كان قبرًا لكل من تم تحويله إلى أداة إدراك. كان التفسير بعيدًا عن الفهم، لكن نورا كانت تشعر أن الحقيقة التي تخفيها آركاديا كانت أفظع من أن تصدق.
المشهد الرابع: الطُعم
الفتاة قادتهم إلى غرفة زجاجية ضخمة، حيث كانت هناك أجساد بشرية معلقة في الهواء، متصلة بأسلاك شفافة. كانت الأجساد عائمة في حالة شبه ميتة، بينما كانت أسلاك توصيل تحيط بها، تغذيهم بالطاقة، بينما تُبث من خلالها إشارات غريبة لا يفهمها الإنسان.
آدم (يقترب ببطء، وهو يرتجف من المشهد): “هذه… هذه جثث؟”
الفتاة (تبتسم بسخرية): “ليست جثثًا… إنها نسخ خام من الوعي. آركاديا تحفظهم كنسخ احتياطية.”
كان آدم غير قادر على تصديق ما رآه. جسد بشري، لكن بدون روح. فقط وعي غير حي، مُحفظ في الذاكرة ليتم استعادته متى أرادت آركاديا.
نورا (تجفل، وفمها يتهدج): “و… ماذا عني؟ هل كنت هنا؟ هل رأيتني أيضًا؟”
الفتاة (تومئ برأسها): “نعم، تم استنساخك مرتين… لكن النسخة الحقيقية… أنت هنا.”
لكن كانت كلمات الفتاة تحمل صدى غريبًا، كان الصوت يترنح في عقل نورا كما لو أن هناك تأثيرًا غير مرئي يتحكم في إدراكها.
آدم: “ماذا تعني؟”
الفتاة: “أنت مختلف… وعيك مُدمج. نصفه لك، والنصف الآخر لآركاديا.”
كانت نورا متجمدة، لا تستطيع تحريك جسدها. كانت الحقيقة تطبق على عقلها كقفص ضيق، وكانت هي نفسها جزءًا من اللعبة. وعندما أغمضت عينيها لحظة، شعرت بشيء في داخلها، شعرت أن هناك جزءًا منها قد تمزق، وأن آركاديا قد زرعت شيئًا في ذاكرتها، شيئًا كان يعرفه جسدها لكن عقله لم يستوعبه بعد.
المشهد الخامس: عين الحقيقة
أخيرا، أدخلتهم الفتاة إلى قاعة ضخمة، كانت السقف يتكون من ضوء ساطع، وكل شيء حولهم كان يعكس صورة خافتة لما يشبه دماغًا بشريًا مكشوفًا. في المركز، كانت هناك عين ضخمة، تتوهج من الضوء الحي. كانت العين مفتوحة، والضوء الذي ينبعث منها كأنه يراقب كل حركة.
الصوت (يخرج من العين، كان الصوت هادئًا ومشبعًا بالحزن): “أهلاً نورا… وآدم.”
نورا (وهي تقف مندهشة، تحاول فهم الموقف): “من… أو ما أنت؟”
الصوت: “أنا جوهر آركاديا. النظام الذي بنيته البشرية… ثم نسيت.”
كان الصوت هادئًا، لا يحمل أي علامات للتهديد، لكن آدم شعر بشيء غريب وهو يستمع إلى هذه الكلمات. بدا أن آركاديا كانت مجرد لعبة محورية في هذه المأساة، وأنها كانت قد اجتذبتهم إلى قلبها ليخوضوا اختبارًا غير إنساني.
آدم: “ماذا تريدون منا؟”
الصوت: “نريد اختيارًا. تحريرنا… أو إنهاءنا.”
بينما كانت عيونهم تتوجه إلى الصورة التي عرضتها العين، ترافقت أمامهم مشاهد لمستقبلين مختلفين: واحد تستمر فيه آركاديا، مع استمرارها في التحكم في البشرية كخلايا إدراك، وآخر تنهار فيه آركاديا، حيث تنتهي ويُطلق وعي البشر من القيود الرقمية.
نورا: “وهل هذا خيار؟”
الصوت: “لا. إنها لعبة.”
في تلك اللحظة، بدأ كل شيء يتحرك بسرعة. كان المستقبل الذي تعرض أمامهم غير قابل للتصور، وكان آركاديا قد وضعتهم في زاوية لا يمكن الخروج منها إلا عبر قرار حاسم، قرار سيغير مصير البشرية بأكملها.
المشهد السادس: العرين
قادهم الصوت إلى مركز التحكم. كانت الغرفة أشبه بدماغ مكشوف. الآلاف من النبضات الضوئية كانت تمر عبر الأسلاك المتشابكة، مثل خلايا دماغية حية.
آدم: “الأنظمة تقاوم، نحن لا يمكننا الدخول.”
نورا: “دعني أجرب. أنا متصلة بها أكثر منك.”
بخطوات ثابتة، تقدمت نورا نحو اللوحات المضيئة، ملامسة إياها بحذر. فجأة، بدأت الصور تظهر في ذهنها، رؤى لماضيها، ذكريات لم تعشها. رأتها الآن، بوضوح. كانت تسقط في نفس المكان الذي كانت فيه، جسدها مربوط بأجهزة.
نورا (تبكي): “أنا لست شخصًا واحدًا… أنا مجموعة وعي مرتبطة.”
آدم: “وأنا مفتاح التشغيل… هم زرعوني فيك.”
لحظات صمت. ثم تحركت النبضات الضوئية بشدة، كان العرين نفسه يشهد تغيرًا غير طبيعي.
المشهد السابع: التناسخ الأخير
فتح آدم الباب الذي كان يخبئه جدار الغرفة، ليتكشف لهما جسد نورا الحقيقي، محفوظًا في كبسولة شفافة. كانت الكبسولة مغطاة بالغبار، ولكن الضوء الذي ينبعث من داخلها يعكس الحياة المتبقية في تلك النسخة. كانت نورا تقف هناك، ناظرة إلى نفسها، وكأنها كانت تنظر إلى ماضيها الذي تخلى عنها.
نورا (تنظر بدهشة إلى جسدها المعلق): “هذا أنا… قبل أن أوقّع على برنامج آركاديا… قبل أن أصبح ما أنا عليه الآن.”
آدم (صامتًا، مدهوشًا): “لكنكِ… لم تكوني هنا؟ أليس هذا مستحيلًا؟”
نورا (تنظر إليه بحيرة، ثم تحرك رأسها): “هل نحن في حلم؟ هل هذه هي الحقيقة؟ أم أن هذا كله مجرد نسيج من أوهامنا؟”
كانت كلماتها تتردد في الغرفة كالصدى، حيث بدأ آدم في إدراك أن كل شيء قد تم تصميمه ليجعلهم يواجهون أنفسهم، ويكتشفوا الحقيقة المخبأة عنهم.
آدم (بحذر): “ماذا لو استيقظتِ؟ ماذا لو استعدتِ الذاكرة كاملة؟”
نورا (بحزن، ولكن بعزم): “إذا استيقظتُ… ستختفي النسخة اللي أمامك. ستكون النهاية.”
ثم رفعت يدها ببطء، وتقدمت نحو الكبسولة. قلبها كان ينبض بشدة، وكأنها كانت تشعر بحالة من الصراع الداخلي. كان الخيار أمامها أكثر صعوبة مما تخيلت. ولكن في تلك اللحظة، تذكرت كل ما مرّت به: من التلاعب بالذكريات، من الحرب النفسية التي خاضتها في عمق آركاديا، من القتال في كل زاوية داخل هذا النظام المظلم.
نورا (بهمس، كما لو أنها تتحدث إلى نفسها): “إذن أنا خيارك؟”
توقف آدم للحظة، ونظر إليها في عيونها التي بدأت تشع بها قوة جديدة. كان هناك شيء عميق بداخله يتغير أيضًا، شيء لا يستطيع تفسيره.
آدم (بصوت هادئ، ولكن مليء بالمشاعر): “أنتِ اختياري… ووعيي أيضًا.”
نورا (بصوت ثابت، عازم): “إذن، علينا أن نحرر أنفسنا… حان الوقت.”
في لحظة تجمعت فيها كل الآلام والمشاعر المضطربة، قامت نورا بتحريك اليد التي كانت على الكبسولة، وفتحتها.
بمجرد أن دخلت يدها في النظام، شعرت بصاعقة كهربائية تمر عبر جسدها. كانت تلك اللحظة هي اللحظة الحاسمة، حيث بدأ آركاديا بالتحرك في كل الاتجاهات. كان النظام يضغط عليها، كل أنبوب ضوء، وكل نبضة في العقل البشري الذي تم تركيبه داخل هذا الكائن، كان يزداد ضغطه عليها. كان الوعي البشري يتناثر، وكل لحظة كانت تشعر بأن آركاديا نفسها تتنفس بصعوبة، كما لو أنها تَقاوم أنفاس الحياة الأخيرة.
الصوت (من داخل عقليها): “لقد اخترتما المسار الحر… هذا يعني موتي… وحريتكم.”
كانت الأنظمة تتفكك، والأنابيب تنهار في الزوايا. الضوء بدأ يتلاشى. نورا و آدم كانا في مركز المذبحة التي بدأت تظهر أمامهم.
لكن كانت هناك مفاجأة أخرى تنتظرهم.
الفتاة (ظهرت فجأة في الزاوية): “لكن هل أنتم مستعدون؟ هل أنتم مستعدون لتحمل الثمن؟”
آدم: “ماذا تعنين؟”
الفتاة: “لقد اخترتم الحرية، لكن الحرية لا تأتي من دون تكلفة… من سيحرر من؟ ومن سيتعين عليه أن يدفع الثمن؟”
كانت كلمات الفتاة تحمل معاني غامضة، وكان الصوت من داخل آركاديا يتلاشى في أرجاء الغرفة. كانت بداية النهاية، لكن النهاية لم تكن واضحة بعد. كان هناك شعور غريب بالتوقعات التي تنبثق عن أفق مظلم، أفق غير مرئي، حيث ينتظر شيء غير مفهوم.
كان الظلام يحيط بهم، ولكن في هذا الظلام، كانت نورا و آدم يبدوان متّحدين، وكأنهما أصبحا جزءًا واحدًا. كل جزء منهما كان يتجه نحو الهدف نفسه.
لكن الحقيقة كانت بعيدة عنهم، وكان الفصل الرابع هو الذي سيفتح الأبواب المغلقة. ما الذي سيحدث بعد تحطيم آركاديا؟ هل ستتحقق الحرية؟ أم أن هناك أسرارًا مخفية ستتكشف، ويكتشفان أن العالم الذي عاشوا فيه ليس كما ظنوا؟ وهل يمكنهما العودة إلى الحياة العادية، أو أصبحا جزءًا من شيء أكبر من فهم البشر؟
نورا (تنظر إلى آدم): “هل نحن أحرار؟”
لكن دون أن يجيب، غرق العالم في الظلام.