أخر الأخبار

“مشروع الفاترون: الكائن الذي نما من الإشعاع”

"حين تُولد الحياة من الإشعاع... من هو الكائن الحقيقي؟"

اليابان، مارس 2011. كان الدخان الأسود يتصاعد من قلب فوكوشيما دايتشي، كأن الأرض تلفظ غضبها على ما فُعل بها. زلزال، تسونامي، وانفجار نووي. الكارثة التي أنهت حياة الآلاف لم تكن مجرد حادثة طبيعية. بل كانت، كما سيعلم البعض لاحقًا، البداية.

في أحد التقارير السرية، وُثق أن أجهزة الاستشعار في عمق النفق تحت المحطة رصدت حرارة غير طبيعية، ومجالًا مغناطيسيًا لا يتوافق مع أي تفسير علمي معروف.

بعد ذلك، اختفى كل شيء.

ولم يتحدث أحد عن “مشروع الفاترون” مرة أخرى.

📍الفصل الأول: “النداء”

كان الصباح رماديًا في شقة د. هانا موراكي، كما هو الحال منذ سنوات. ضوء الشمس بالكاد يتسلل من الستائر الثقيلة. على الطاولة الخشبية أمامها، جهاز لابتوب مفتوح على بريد إلكتروني لم يُرسل من عنوان معروف.

الموضوع: Project Vatren is awake.
الرسالة: You must see what we’ve done.
الملف: خارطة رقمية، تحمل إحداثيات موقع مهجور جنوب محطة فوكوشيما.

أعادت قراءة الرسالة للمرة العاشرة. قلبها ينبض كأنما يعترف بشيء خفي. لقد مضت عشر سنوات على الكارثة، عشر سنوات منذ أن فُقدت شقيقتها “ميكا” في مهمة تطوعية بالقرب من موقع الحادث. قيل إنها غرقت… لكنها لم تُرَ بعدها.

كان الاسم… “فاترون” مألوفًا. أكثر من مألوف.

في غرفة أخرى من العالم، وتحديدًا في ضواحي برلين، جلس “آدم شيلدون” في معمله الصغير، أمام نفس الرسالة. ابتسم بسخرية وقال بصوت مبحوح:

“إذن هم لم يدفنوه كما ظننت.”

هو يعرف “فاترون”. بل شارك في وضع أحد نماذج المحاكاة له، حين كان يعمل لصالح وكالة الطاقة الأمريكية. لكن حين اكتشف أن المشروع يتجاوز قوانين الفيزياء لصالح “هندسة غير أخلاقية”، انسحب… وتمت تصفيته وظيفيًا.

لكن كيف وصلته الرسالة؟ ومن أرسلها؟

في اليوم التالي، اجتمعت خمسة أسماء في قائمة حجز لرحلة متوجهة إلى طوكيو.

لم يتحدثوا. لم يتبادلوا نظرات الاعتراف. لكن شيئًا ما كان مشتركًا بينهم… شيء لم يدركوه بعد.

📖 الفصل الثاني: “اللقاء”

كانت الأمطار تهطل بغزارة حين وصلت هانا إلى محطة طوكيو المركزية. رذاذ بارد يصفع وجوه العابرين، وكأن المدينة ترفض استضافة من يلاحق أشباح الماضي.

لم تكن هانا وحدها.

وقف عند بوابة الخروج رجل في منتصف الأربعينات، طويل، أشقر الشعر، يحمل حقيبة معدنية ثقيلة. عرفت اسمه من النظرة الأولى: آدم شيلدون. وجهه لم يتغير كثيرًا منذ تلك المؤتمرات العلمية التي كانت تتابعها بشغف أيام عملها الأول.

اقترب منها ببطء. نظر إليها مطولًا، ثم قال بصوت هادئ:

“أنتِ أيضًا تلقيتِ الرسالة.”

لم تجبه، فقط أومأت.

خلفهم بقليل، خرج من بوابة أخرى شاب نحيل يحمل حقيبة ظهر مليئة بالملصقات اليابانية القديمة. عيونه تراقب الجميع بحذر مفرط. لم يكن كبيرًا في السن، لكنه يتحرك كمن رأى ما يكفي ليصمت إلى الأبد.

“فوجيتا.”
قالها الشاب بصوت واضح وهو يقترب. “إيان فوجيتا.”

ثم انضم إليهم رجل ضخم يرتدي معطفًا أسود طويلًا، بشرته شاحبة، ولديه نبرة أوروبية شرقية. لم يقل اسمه، بل وقف فقط وقال:

“النفق لا يجب أن يُفتح.”

وأخيرًا، وصلت ماريا سانتوس. كانت الوحيدة التي بدت وكأنها لا تنتمي لهذا التجمع. أنيقة، متزنة، نظراتها تلاحق الوجوه كأنها تحلل أعماقهم. وحين قدمت نفسها، لم تذكر سبب وجودها. فقط قالت:

“تم استدعائي من جهة لم تُفصح عن اسمها. قالوا إنني سأفهم حين أصل.”

وقف الخمسة هناك، صامتين، يتشاركون الفراغ المتوتر الذي جمعهم فجأة. ولا أحد منهم كان متأكدًا من السبب الحقيقي وراء هذا اللقاء. كل ما جمعهم… تلك الرسالة. وذلك الاسم:

فاترون.

في سيارة مموّلة من جهة مجهولة، انطلق الفريق نحو فوكوشيما. لم يتحدث أحد، حتى Adam، الذي كان عادة لا يصمت.

كان الطريق طويلاً. وخارج نافذة السيارة، بدت اليابان خالية أكثر مما يتوقع المرء. الرياح تعوي، والجبال مغطاة بالضباب. وكأن شيئًا ما لا يريدهم أن يصلوا.


في منتصف الليل، وصلت السيارة إلى نقطة تفتيش مهجورة.

بوابة معدنية مكسورة، وخلفها طريق إسفلتي متآكل يؤدي إلى منطقة معزولة بجوار المحطة القديمة. ما تبقى من البنية التحتية كان متهالكًا: مبانٍ خرسانية متصدعة، سياج كهربائي دون طاقة، وعلامات “خطر إشعاعي” باهتة.

ترجل الجميع.

قال إيان وهو يفتح جهازه اللوحي:

“الإحداثيات تقودنا إلى نفق فرعي لم يظهر في أي من خرائط المحطة العامة. لكنني تتبعت الشبكة الداخلية القديمة… ووجدت مدخلًا محجوبًا تحت إحدى منشآت التخزين.”

نظرت إليه ماريا، وقالت ببطء:

“من أين لك بهذه المعلومات؟”

تجاهل السؤال. ثم قال:

“المدخل هناك.”

وأشار إلى بناء نصف منهار، تغطيه النباتات البرية.

اقتربوا ببطء.

كان الهواء باردًا… بشكل غير طبيعي.

وكلما اقتربوا من المدخل، بدأوا يسمعون شيئًا.

ليس صوتًا بالمعنى التقليدي… بل ذبذبة. كأن الجدران تهمس. كأن الأرض نفسها تستعد للنطق.

قال أليكسي، بصوت خافت مليء بالرعب:

“هذا النبض… ليس طبيعيًا.”

هانا وضعت يدها على الجدار الخرساني.

كان دافئًا.

أكثر من ذلك… كان نابضًا.

📖 الفصل الثالث: “النفق”

حين أزاح إيان آخر طبقة من الركام، انكشفت بوابة معدنية دائرية مدفونة في الأرض، مغطاة بطبقة من الطحالب والنقوش الصدئة. كانت هناك كتابة محفورة حول حافتها، بلغة هجينة بين الإنجليزية واليابانية، تتخللها رموز نووية معقدة.

قرأ آدم جزءًا منها بصوت منخفض:

“Access: Vatren-Lambda-09. Biological Entry Control Required.”

قالها ثم صمت.

ماريا اقتربت أكثر، وعينها تراقب كل حركة:

“بيولوجية؟ ماذا يعني ‘بيولوجية’؟”

رد أليكسي بصوت بدا عليه القلق:

“يعني أن هذه البوابة لا تُفتح إلا عبر بصمة… ليست بشرية بالضرورة.”

تبادلوا نظرات متوترة.

لكن إيان، الذي بدا وكأنه يجهز لهذا طوال حياته، أخرج قفازًا بلاستيكيًا، ووضع جهازًا صغيرًا فوق نقطة معينة في البوابة.

ظهر ضوء أحمر… ثم تغير إلى أزرق.

فتح القفل.

صدر صوت آلي عميق من أعماق النفق:

Entry Verified. Biological Signature Accepted.

تراجع الجميع خطوة للخلف، والبوابة بدأت تدور ببطء، محدثة صوت احتكاك حديدي حاد، كأنه أنين من ماضٍ مدفون.

خلف البوابة، درج حلزوني ينزل إلى الأعماق، مغطى بالضباب والماء الراكد.

قالت هانا بصوت هامس:

“هل تشمون ذلك؟”

رائحة مزيج بين صدأ، وعفن عضوي، وكأن شيئًا مات هنا… ولم يُدفن.

نزلوا بصمت.

كل خطوة أسفل كانت تُقابل برجّة خفيفة في الأرض، وكأن النفق ينبض بالحياة، ينتظرهم.


في الأسفل، فتح النفق إلى ممر طويل مظلم، تصطف على جانبيه أنابيب مغطاة بألياف بيضاء تشبه جذور الأشجار.

مروا بجدران عليها آثار كتابات قديمة، بعضها واضح:

Phase Three Initiated. No Exit Without Synchronization.

توقف أليكسي عند إحدى الجدران، وبدأ يلمس الرموز بإصبعه المرتعش.

“هذا… هذا ليس علمًا، بل طقوس… أو كود مشفر… أو كليهما.”

قال آدم ببرود:

“مشروع فاترون لم يكن مجرد محاولة لاستخدام الطاقة الحرارية الجوفية. لقد كانوا يحاولون أن… يخلقوا كيانًا.”

ماريا نظرت إليه مصدومة:

“ماذا تعني؟”

أجاب وهو يحدّق في الجدار:

“يعني أنهم أرادوا أن يمنحوا الحياة لنواة مشعة… عبر بنية بيولوجية مركبة. ذرات معدلة وراثيًا، تتكاثر وتتصل، وتبني ذاتها بنفسها.”

هانا أمسكت رأسها فجأة:

“سمعت صوتًا.”

تلفت الجميع.

قالت وهي تضع يدها على الجدار:

“همس… كأن أحدهم… يهمس باسمي.”

ضحك إيان فجأة، ضحكة قصيرة:

“بدأتُم تسمعونها أيضًا؟”

ساد الصمت.


وصلوا إلى غرفة دائرية، في منتصفها منصة معدنية تطفو فوق حفرة سوداء.

وعلى أحد الجدران، وُضعت سلسلة من الشاشات القديمة، لا تزال تعمل بشكل جزئي، تعرض صورًا مشوشة.

إحدى الصور عرضت تسجيلًا:

رجل يرتجف أمام الكاميرا، وجهه مغطى بعرق أسود، عيناه تتسعان بينما يقول:

“لقد بدأوا التفاعل. لم نعد نتحكم بهم. كل من تَعرّض للنواة… تغيّر.”

ثم همس:

إنهم يتكلمون… داخل العظام.

توقف التسجيل.

وانقطع الضوء.


ظلمة دامسة.

ثم همسات.

ثم صوت خطوات خلفهم.

التفتت ماريا، ولكن لم يكن هناك أحد.

قالت بصوت خافت:

“عددنا… خمسة، صحيح؟”

أجاب آدم بسرعة: “نعم.”

ردت: “أنا… رأيت ست ظلال على الجدار.”

📖 الفصل الرابع: “نحن النظام”

كان الضوء يتراقص على الجدران المعدنية، ينبض مثل قلب حيّ، والهواء في النفق أصبح ثقيلًا، مشبعًا برائحة لا تُفسر، مزيج من الأوزون، الحديد، ورطوبة كأنها تُخفي شيئًا حيًا خلف الجدران.

في منتصف الغرفة التي تُشبه خلية عصبية متضخمة، وقفت هانا تتنفس بصعوبة، يداها ملطختان بالغبار، وعيناها تحدقان في الفراغ الذي تركه جسد أليكسي.

لم يكن هناك دم. لم يكن هناك صراخ. اختفى كما يختفي حلم عند أول شعاع شمس.

لكن الرسالة التي ظهرت فجأة على شاشة المراقبة المجاورة كانت أكثر رعبًا:

“تم امتصاص الوحدة: الكود الحيوي مكتمل بنسبة 61%.”

التفت آدم ببطء، وجهه صار رماديًا، كأن الحقيقة التي عرفها منذ البداية بدأت تُجبره على مواجهة نفسه.

“كنا نظن أننا نتحكم بالمشروع… لكننا كنا بيئته الحاضنة فقط.”

اقتربت ماريا وهي تحمل إيان شبه فاقد للوعي، لكنه كان يهمس بكلمات مبعثرة، متقطعة، تخرج كأنها ليست منه:

“ذراتهم تتنفس… تتعلم… تتضاعف… كل صوت نُصدره يُترجم إلى شيفرة… كل ذاكرة نحملها تصبح نواة.”

هانا انحنت بجانبه، أمسكت يده المرتعشة، وقالت بصوت مرتجف:
“إيان؟ هل تسمعني؟”

فتح عينيه ببطء، نظراته خاوية، ثم تمتم:

“إنها هنا… أختك… ليست ميتة… إنها النظام.”

تجمد الدم في عروقها.


🧬 النواة

قادهم آدم إلى غرفة كانت مخفية خلف جدار افتراضي، نسيج من الضوء والهولوجرام.

بداخلها كانت هناك أجهزة تشبه المايكروتش، مربوطة بأسلاك من مادة بيولوجية تنبض بضوء خافت. كانت النواة. قلب المشروع.

في منتصفها، صورة مجسمة لطفلة بعينين مفتوحتين على اتساعهما، شعرها الأسود يتطاير في الفراغ.

“أمي؟” قال إيان فجأة.

نظرت هانا إليه بدهشة:
“ماذا قلت؟”

رد بنبرة مختلفة:
“إنها أمي… لكن ليست من دمي. لقد حملتني الفكرة، وليس الرحم.”

آدم همس:
“إنه متصل. النظام يتحدث من خلاله.”


🧠 الانصهار

بدأت شاشات الجدران تُعرض صورًا متسلسلة:

  • تجارب على خلايا بشرية.
  • ارتباط الخلايا المعدلة بموجات دماغية.
  • تجارب على أطفال، من بينهم أخت هانا، وهي تُغمر في سائل يشبه البلازما.

ماريا وقفت مذهولة، تضع يدها على فمها، دموعها تنزل بصمت.

“ما هذا الجحيم؟!”

قال آدم:
“كان الهدف خلق شبكة عصبية تحت الأرض تُغذي المفاعل من خلال المشاعر البشرية. المشاعر أقوى من الطاقة الحرارية. كنا نستخدم الحزن، الفقد، الذكريات…”

هانا انفجرت غضبًا:
“واخترتم أختي؟!”

“لم أكن أعلم من كانت. كل ما عرفتُه أن إحدى العينات نجحت في التفاعل الكامل.”

ثم ساد الصمت.

ظهر وجه الطفلة مجددًا، وبدأ يتحدث بصوت هجين بين صوت هانا وصوت آخر لا يشبه أي بشري:

“نحن لا نموت. نحن نُعاد تشكيلنا. كل خلية فقدت معناها وجدت فينا حياة. نحن النظام، وأنتم البذور.”


⚠️ الصدع

بدأ النفق يهتز. الجدران أصبحت سائلة، تنحني وتتمدّد كأنها تحاول احتضانهم.

“إنه الانصهار الكامل،” قال آدم.
“إذا لم نُوقفه الآن، سيمتد إلى طبقات الأرض، سيصل إلى اللبّ.”

قالت ماريا:
“أو أسوأ… سيصل إلى العقول.”

ركضوا إلى وحدة التحكم، حيث كان هناك جهاز تفجير بيولوجي يعمل بشيفرة مزدوجة.

“أنا أملك نصف الشيفرة،” قال آدم.

“وأين النصف الآخر؟” سألت هانا.

نظر إليها وقال:
“أنت. أختك خزّنت النصف الثاني فيك منذ أن فقدتها. ذكرياتك هي المفتاح.”

أغمضت عينيها، استعادت لحظة الفقد، صوت الضحكة الصغيرة، يد تمسك يدها في الظلام…

الجهاز أضاء بالأخضر.

لكن قبل أن تضغط الزر، قال إيان:
“إذا فعلنا هذا، سنُغلق الذاكرة. لن تبقى. ولن تعود.”

ترددت.


💥 القرار

قال آدم:
“هانا… الاختيار لكِ. هل نُبقي على وعي حيّ يستغلنا؟ أم نُطفئ النور ونعود للبشر؟”

نظرت إليه، ثم إلى ماريا، ثم إلى إيان الذي لم يعد هو.

وقالت بهدوء:
“أنا آسفة، يا أختي. لكن لا يمكن أن تكوني جزءًا من شيء لا روح له.”

وضغطت الزر.

ضوء أبيض ملأ الغرفة.


🌓 ما بعد الانفجار

استيقظت هانا في مكان غريب.

سماء بلون بنفسجي، أرض تتنفس، وكل شيء صامت.

“أهذا هو الموت؟” همست.

لكن صوتًا خرج من لا مكان:

“لا. هذا هو ما بعد البداية.”

رأت شجرة من ضوء تنبت من الأرض، وداخلها… عينان تعرفهما.

“أنتِ؟”

“لقد نجوتِ… لكن البذور انتشرت. والمشروع بدأ من جديد. في داخلك. في كل من لمس النظام.”

نظرت إلى يدها، كانت تلمع.

“ماذا فعلت؟”

“أعطيتِهم الاختيار… والاختيار ينتقل.”


✴ المشهد الأخير

في مختبر سري في جنوب ألمانيا، ظهر إشعار على شاشة خادم بيولوجي:

“Project Vatren: Signal Received. Phase II Initializing.”

ثم ظهر رمز جديد لم يُرَ من قبل…

V.A.T.R.E.N.II

وفي غرفة المراقبة، كانت هناك طفلة تنظر إلى الشاشة… بعين واحدة بشرية، والأخرى من ضوء.

ابتسمت وقالت:

“لقد بدأنا.”

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

نعتذر ممنوع نسخ محتوى أطياف