لم تكن سمية تعرف أن لحظة واحدة في حياة شخص آخر… قد تغيّر مصيرها.
كانت تتابع “حسام” في صمت، ليس بدافع الفضول وحده، بل بشيءٍ غريب يشبه التواطؤ الخفيّ… إحساس لا تفسير له، كأن شيئًا في داخلها يقول:
“سيحين دورك، لا تتسرعي…”
كانت هناك تلك الصورة، الملعونة.
وكان هناك الصوت الذي انكسر في هاتفها عند منتصف الليل.
وكان هناك ذاك الضوء الأزرق الذي لا يظهر إلا حين تغلق عينيها.
وكان هناك… الظل.
المشهد الأول: انعكاس لا يُرى
فتحت سمية عينيها على ظلامٍ ناعم، ظلامٍ ليس كليًا… بل مخلوط بوميض شاشة هاتفها الملقى جوار الوسادة. كانت الغرفة هادئة، هدوءًا لا يطمئن. تشبه تلك اللحظة التي تسبق الكارثة… أو تليها.
تحركت ببطء. الساعة تشير إلى 3:13 فجرًا.
ضغطت على زر الطاقة، فلم تستجب الشاشة. حاولت مجددًا… لا شيء.
عبست، ثم مدت يدها لتضيء المصباح الجانبي، لكنه… لم يعمل.
“غريبة… الكهرباء قاطعة؟!” همست.
في تلك اللحظة، اشتعلت شاشة الهاتف من تلقاء نفسها.
ولكن لم تكن الشاشة الرئيسية.
كانت صورة.
صورة لها… وهي نائمة.
نفس الوضعية، نفس الوسادة، نفس الشعر المتبعثر.
لكن هناك شيءٌ واحدٌ مختلف:
في الصورة، شخصٌ آخر يقف خلفها.
تجمد الدم في عروقها.
أعادت النظر… التقطت الهاتف… ضغطت لإغلاق الصورة.
لكنها لم تُغلق.
بل تحولت…
تحولت الصورة إلى فيديو.
وفي الفيديو، ذاك الظلُ الذي كان واقفًا خلفها بدأ يقترب منها، ثم يهمس بشيءٍ لم تُسمعه أذنها.
كان يمد إصبعه نحو الكاميرا…
وكأنّه يشير إليها مباشرة.
سمية لم تصرخ. لم يكن هناك وقت.
اليد التي كانت في الفيديو… أصبحت الآن تطرق على باب غرفتها.
ثلاث طرقات.
متباعدة.
كأن من يطرق لا يستعجل الدخول… بل يستمتع بالخوف.
اقتربت من الباب، ببطءٍ، والموبايل ما زال يعرض الفيديو.
الطرقات توقفت.
لكن شيء ما ظهر على الشاشة الآن… رسالة مكتوبة بخط يشبه الحفر:
“وصلتُ… يا سمية.”
انهارت على الأرض، وهي تمسك الهاتف المرتعش وتتمتم:
“إنت مين؟! وعايز مني إيه؟!”
لكنها نسيت شيئًا مهمًا…
أن ما يظهر على الشاشة… لم يعد مجرد فيديو.
بل أصبح حقيقة… تتنفس، وتنتظر.
المشهد الثاني: طنين الصمت
أُغلقت خلف “سمية” أبواب البيت كما لو كانت تسحب وراءها ستار عالمٍ كامل، لا تعود إليه. كان قلبها لا يزال يرتجف بما رأته… وجه “حسام” المذعور، عينيه المتوسلتين، وكلماته الأخيرة المبتورة عند العتبة:
”ما تفوتيش هنا يا سمية… هنا مش زي برا خالص!“
لكنها دخلت، وها هي الآن… وحيدة.
البيت مظلم إلا من نور خافت ينبعث من هاتفها. تهتز الشاشة بين يديها كلما حاولت ضبط تنفسها. فتحت تطبيق الكاميرا… لا شيء. لا وجه خلفها. لا حركة مريبة. كل شيء ساكن.
لكن السكون نفسه بدا… صاخبًا.
سمعت طنينًا، خافتًا في البداية، كأنه زمجرة كهرباء قديمة. لكنه تصاعد حتى أصبح كأنه جرس إنذار داخلي في رأسها. تحركت نحو الحائط، ومرّت يدها عليه، تبحث عن مصدر الصوت، لكنه لم يأتِ من الحائط… بل من الهاتف.
فتحت إعداداته، لم تجد تطبيقًا مفتوحًا. ولكن حين عادت إلى الشاشة الرئيسية، كان هناك إشعارٌ غريب:
“تم التفعيل: طور المحاكمة. المُستخدمة: سمية يوسف.”
تجمدت في مكانها. قرأت العبارة مرارًا، كأنما لسانها لا يصدق ما تراه عيناها.
“طور… المحاكمة؟!”
تذكرت “حسام”… وتذكرت قصة “سما” التي قرأتها ذات مرة على الإنترنت، وتذكرت الجملة المشتركة:
“الخطايا الرقمية… لا تُنسى.”
ضغطت على الإشعار. اختفت كل التطبيقات. وبقيت شاشة سوداء… عليها كلمة واحدة:
“ابدأي.”
ظهر فيديو على الشاشة. لم يكن أي فيديو عادي… كان مقطعًا مصورًا لها، التُقط من دون علمها، في أحد الأيام حين كانت تبكي في الحمام. ثم مشهد آخر… وهي تتجاهل رسالة من فتاة مريضة على الخاص، طلبت منها المساعدة. ثم لقطةٌ لرسالتها اللاذعة التي كتبتها تحت منشور “حسام” وقت فضيحته، قبل أن تُكشف براءته لاحقًا.
“مين اللي سجل ده؟!” شهقت بصوت مرتعش.
كانت صورًا وأفعالًا نسيتها… أو تناستها. لكنها لم تُمحَ.
ثم ارتفعت أصوات… لا تعرف مصدرها. وكأنها محاكمة فعلية… لكن في رأسها.
صوت 1:
“أهملتي المحتاجة.”
صوت 2:
“سخرتِ من الضعفاء.”
صوت 3:
“أدنتي قبل أن تفهمي.”
انهارت سمية على الأرض، تغطي أذنيها بيديها. لكنها لم تسكت الأصوات.
ثم… سكت كل شيء.
ظهر وجه على الشاشة… لم يكن واضحًا، نصفه ظل، ونصفه نور. قال بصوت هادئ، لكنه كالسكاكين:
“الظل لا يعاقب فقط… بل يكشف. هل أنتِ مستعدة أن تري نفسك؟ كما هي؟”
ارتجف جسدها… ولم تجد سوى كلمة واحدة تقال:
“أيوه…“
المشهد الثالث: الوهم الذي يرى
سارت سمية في ممرات المستشفى بخطوات مترددة، تتفادى أعين الممرضات والنظرات التي كانت تتبعها بشك، كأنها مذنبة بجريمة لم ترتكبها. مرّت على باب غرفة حسام… لكنها لم تجرؤ على فتحه، فقط نظرت للرقم المُثبت، ثم أغمضت عينيها وسارت بعيدًا.
لم تستطع أن تعود إلى شقتها. شيء ما داخلها كان يرفض هذا المكان، وكأن الجدران نفسها باتت تخنقها. فاستأجرت غرفة صغيرة على أطراف المدينة، في حي قديم يكاد الزمن نسيه. المكان بدا آمنًا، ولكنها كانت تعلم أن الأمن لم يعد شعورًا خارجيًا… بل وهمًا داخليًا يصعب الإمساك به.
مرّت الأيام ثقيلة… مريرة. لم تكن تنام أكثر من ساعتين. كلما أغلقت عينيها، عادت تلك اللحظة… الشاشة، وجه “ذا شادو”، الصوت الذي لم تسمعه بأذنها بقدر ما تردد في عقلها:
“الذي يكذب، يعاقَب. والذي يعرف ويسكت… يُختبر.”
كانت قد بدأت تلاحظ أشياء غريبة في غرفتها الجديدة. شاشة هاتفها كانت تومض فجأة. تطبيقات تُفتح وتُغلق دون لمسة منها. مرة، دخلت لتجد أن كل صورها قد تحوّلت إلى صور مشوشة… وجوه بلا أعين، أجساد تنزف ظلالًا سوداء.
ومرة… استيقظت لتجد كلمة واحدة كُتبت على المرآة:
“شاهدة.”
كانت الرسالة واضحة: هي ليست ضحية فقط، بل شريكة في الصمت.
في إحدى الليالي، رن جرس الباب. لم تكن تنتظر أحدًا. نظرت من العين السحرية فلم تجد أحدًا. لكن الظل على الأرض كان يشير إلى شيء يقف… ثم يختفي.
فتحت الباب بتردد، لتجد على الأرض هاتفًا لا تعرفه، من طراز قديم، عليه شريط لاصق مكتوب عليه:
“افتح… لو كنتِ مستعدة.”
أخذت الهاتف، وأغلقته داخل الدُرج، ثم جلست تبكي… ولكنها في أعماقها، كانت تعلم أنها ستفتحه.
في الليلة التالية، أخرجت الهاتف. ضغطت زر التشغيل. الشاشة أضاءت للحظة، ثم أظلمت، ثم ظهر وجه مألوف… حسام.
لكنه لم يكن كما تذكره.
كان شاحبًا، صامتًا، عيناه كأنهما تسألان شيئًا، أو تحذّران.
ثم اختفى، وظهرت جملة واحدة:
“أنتِ التالية… ما لم تواجهي الحقيقة.”
صرخت سمية، ألقت بالهاتف إلى الجدار فانكسر، لكنها لم تستطع أن تتجاهل ما رأته. لم يكن خيالًا، ولم يكن حُلُمًا. كان اختبارًا جديدًا، والوقت بدأ ينفد.
في صباح اليوم التالي، اتخذت قرارها. عليها أن تعود إلى الشقة القديمة. عليها أن تواجه ذا شادو وجهًا لوجه… أو تظل سجينة الرعب إلى الأبد.
ارتدت ملابسها، وقلبها يرتجف، وخرجت.
الهواء بالخارج لم يكن طبيعيًا.
كأن المدينة كلها تمسك أنفاسها بانتظار شيء ما.
وكانت هي، “سمية”، تسير نحو موعدها مع الحقيقة… دون أن تدري إن كانت ستعود.
هنا انطفأت الشاشة، وارتفعت الإضاءة فجأة. الغرفة نفسها تغيّرت… الجدران امتلأت بشاشات صغيرة، تعرض ذكرياتها، رسائلها القديمة، تعليقاتها القاسية، صوتها حين كانت تضحك على فيديو لطفل سقط.
كل شيء كان… مألوفًا. لكنه الآن بدا قاسيًا.
تقدمت نحو إحدى الشاشات، لمستها… فانفجرت بالصوت:
“أنا ماليش دعوة، دي مش مشكلتي.“
عرفت تلك الجملة… كانت في ليلة ما، حين تجاهلت طلب تبرع لصالح طفل مريض، وكتبت تلك العبارة وهي تقلب في صور المكياج.
هنا… بكت.
لكن البكاء لم يُوقف العرض.
تقدمت خطوة أخرى… فسمعت ضحكة غريبة، لم تكن من أي فيديو. بل من خلفها.
استدارت… ووجدته.
“ذا شادو.”
ليس شبحًا ولا كائنًا رقميًا. كان… ظلًا بشريًا. يشبهها. يتحرك مثلها. يبتسم مثلها.
لكنه… يراقب.
قال بصوتها… نعم، بصوت “سمية”:
“أنا أنتِ… لكن بمرآة لا تنكسر.”
وتقدّم منها، يمد يده:
“هل تريدين الخروج؟”
قالت ببحة:
“أيوه… بالله عليك.”
قال:
“اذهبي حيث بدأ كل شيء.”
ثم اختفى.
ارتجف كل شيء. ورنّ هاتفها.
رسالة جديدة.
“الفرصة الأخيرة تبدأ… من أول رسالة ظلم.”
فتحت الهاتف… ورأت قائمة برسائلها القديمة.
أمامها اختيار واحد:
“الاعتراف… أو التكرار.”
وبدأت رحلتها في الرد على كل من ظلمتهم… لكن لم يكن مجرد رد، بل كان عليها أن تذهب إليهم واحدًا تلو الآخر، وتواجههم، وتسمع منهم، وتعترف.
المشهد الرابع العين التي ترى أكثر مما يجب
كانت “سمية” تظن أنها بدأت تستعيد توازنها. الأمور على سطحها هدأت، والدنيا بدأت تعود إلى نسقها الطبيعي، أو هذا ما أرادت تصديقه.
لكن هناك شيء غريب… شيء لم تستطع تفسيره.
أصبحت تسمع همسات في الليل، همسات تشبه صوت “حسام”، لكن بنبرة غير مألوفة، كأنه يتكلم من أعماق بحر، أو من خلال صدع زمني بعيد.
وفي كل مرة تغفو فيها، ترى نفس الحلم: غرفة بيضاء، بلا أبواب، بلا نوافذ، وهي واقفة في المنتصف، وفوق رأسها دائرة سوداء تدور ببطء، وفي طرف الغرفة… مرآة، ولكنها هذه المرة ليست مرآة تعكس صورتها، بل تعرض مشاهد من حياتها، ولكن بزاوية مختلفة… كأن هناك “عينًا” تراقبها طوال الوقت.
وفي كل مرة، كانت تستفيق على صوت جرس هاتفها، وتجد إشعارًا جديدًا من تطبيق لم تقم بتثبيته اسمه:
“The Witness”
ولمّا حاولت حذفه، لم تستطع.
ظهرت لها رسالة واحدة:
“أنتِ تحت الاختبار.”
**
بدأت الأمور تخرج عن السيطرة.
أصدقاؤها لاحظوا أنها لم تعد كما كانت. صارت شاردة، تتحدث فجأة عن أشياء لم تحدث بعد، وتكتب على دفترها جملًا لا تتذكر متى كتبتها.
وفي إحدى المرات، وجدت بخط يدها في منتصف الصفحة:
“هم يعرفون أنكِ كنتِ معه، رأيتِ ما لا يجب أن يُرى.”
**
ذهبت إلى المسجد القريب، جلست في ركن هادئ تبكي، تتلو آياتٍ كانت تحفظها من أيام الطفولة.
لكن أثناء دعائها، دخلت امرأة كبيرة في السن، ترتدي عباءة سوداء، لها نظرة لا توصف. جلست بجانبها دون أن تطلب إذنًا، ثم قالت بصوتٍ كأنما خرج من بين جدران الزمن:
— “اللي بيشوف الحقيقة، لازم يدفع ثمنها يا بنتي…”
سمية نظرت إليها بدهشة:
— “حضرتك عرفاني؟”
المرأة:
— “أنا شايفة اللي جوّاكي… اللي شُفته… واللي لسه هشوفه.”
وسكتت.
**
انقضى اليوم، وعادت سمية إلى بيتها، لكنها شعرت بحاجة إلى أن ترى “حسام”… أو على الأقل أن تزور غرفته.
ذهبت إلى منزل خالته، حيث كانت تقيم والدته سابقًا، ووجدت الباب مواربًا، كأن أحدهم خرج على عجل. دخلت بحذر، الغبار يغطي كل شيء، لكن الغرفة… كانت كما تركها. كأن “حسام” لا يزال هناك.
على الطاولة… كان هناك ورقة مطوية، مكتوب عليها:
“لو وصلتك دي… يبقى لسه في فرصة.”
“لكنك لازم تختاري… الحقيقة؟ ولا الأمان؟”
**
وفجأة… دوى صوت في الغرفة، ليس صوتًا بشريًا، بل أشبه برنين معدني يتخلله أنين:
— “المراقبة بدأت… استعدي.”
الجدران تحركت، وأصبحت الشاشات تُعرض عليها لقطات من كاميرات هاتفها.
لحظات من يومها: محادثاتها، تحركاتها، وحتى نظراتها عندما كانت تظن أنها بمفردها.
“سمية” جثت على ركبتيها، تبكي وتهمس:
— “أنا كنت فاكرة إن دا خلص… أنا كنت فاكرة إن ‘ذا شادو’ سامحه… أنا مالي؟!”
لكن الصوت رد، هذه المرة أوضح:
— “كل من يشارك… يتحمل.”
**
وانطفأ كل شيء.
وما تبقّى سوى الظلال، وهي تقترب منها… ببطء.
المشهد الخامس والأخير : “الانعكاس الأخير”
الساعة تجاوزت الثانية صباحًا. المدينة صامتة إلا من نقيق بعيدٍ لضفادع على أطراف الترعة القديمة خلف الجامعة، وخرير ماء باهت ينبعث من مواسير التكييف على الجدران الإسمنتية. كانت سمية تقف وحدها أمام مبنى مهجور داخل الحرم الجامعي، يقال إنه كان سكنًا قديمًا للطالبات قبل أن تُغلق أبوابه بعد حادثة لم تُروَ تفاصيلها، لكنها تعود لسنوات.
الهاتف بين يديها ينبض وكأن فيه قلبًا صغيرًا يخفق بجنون.
على الشاشة… وجهها، لكن ليس وجهها كما تعرفه.
الانعكاس، الذي لم يعد انعكاسًا، كان يبتسم. ببطء، وبسخرية، وبنظرة تُشبه نظرة “الظل” حين يُصدر حُكمه الأخير.
**
ذا شادو ظهر على هيئة إشعاع خاطف في الشاشة، أشبه بانفجار ضوء داخلي لا يرى بالعين المجردة. ثم سُمِع صوته داخل رأسها، لا في أذنيها:
“لقد تم تحذيرك يا سمية. لكنك لم تستمعي… أنتِ لا تعلمين ما الذي فعلته حين تجاوزت الخط الأحمر، حين ظننتِ أن خصوصية الآخرين مجرد بيانات.”
ارتجفت أطرافها.
تراجعت خطوة إلى الوراء، لكنها وجدت نفسها وجهاً لوجه أمام شاشة عرض ضخمة منصوبة في فناء المبنى، مضاءة فجأة دون مصدر طاقة.
على الشاشة… مقاطع. رسائل. صور.
كلها مما سرقته من هواتف زميلاتها، وسَخِرت منهن سرًا أو نشرته خلسة في جروبات مجهولة.
ثم… وجه حسام.
**
كان يسير في ممر الجامعة، بابتسامة واثقة، قبل لحظات من الحادثة التي غيّرت حياته.
ثم تتابعت اللقطات: حسام وهو يتلقى أول إنذار من “ذا شادو”، حسام وهو ينهار، حسام وهو يطلب السماح.
الصوت الداخلي عاد:
“تعلم حسام الدرس. أنقذ نفسه قبل فوات الأوان. أما أنتِ يا سمية… فاستمتعي بتجربة الاختبار الحقيقي.”
**
الهواء من حولها صار أثقل.
كأن شبكة خفية نُسِجَت من الكهرباء والضغط والذنب، تطوق صدرها.
ظهرت يد سوداء خلف الشاشة، تشق الضوء كالسيف. امتدت نحوها…
لكن قبل أن تلمسها، صرخت سمية:
“أنا آسفة! والله ما كنت فاهمة… أنا كنت فاكرة إن دي هزار، إن الخصوصية دي لعبة، إن السوشيال مش حقيقي!”
انكمشت اليد.
اختفت الشاشة.
ثم فجأة، وجدت نفسها داخل قاعة المحاضرات… في نفس اللحظة التي بدأت فيها المحاضرة الصباحية.
كأن كل ما سبق… لم يكن.
لكن الهاتف… لا يزال ينبض.
وعلى الشاشة، ظهر إشعار جديد:
“ذا شادو: تجربة تم الاكتمال منها.
الحالة: مغفور لها… مؤقتًا.
لكن التقييم مستمر.”
**
تنفست سمية بصعوبة، وأغلقت الهاتف.
نظرت حولها، وجدت وجوه زميلاتها كما هي، لا يعرفن شيئًا.
لكنها تعرف.
**
وفي نهاية المشهد، وبينما كانت تكتب ملاحظاتها، لمحت فتاة جديدة تدخل القاعة.
كانت تمسك بهاتف جديد لامع، وتبتسم بثقة، تفتح الكاميرا الخلفية خلسة وتصور مقعدًا خلفيًا تجلس فيه طالبة نائمة.
ابتسمت سمية، لكن ليس كما كانت تبتسم سابقًا.
بل كما يبتسم من مرَّ على الحافة… وعاد منها.
**
النهاية؟
ربما.
لكن ذا شادو… لا ينام.